فصل: و أما الآثار فمنها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رسالة في زكاة الحلي **


 و أما الآثار فمنها

1- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه كتب إلي أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن - قال ابن حجر في التلخيص ‏[‏تلخيص الجبير ‏(‏1/188‏)‏‏]‏ انه أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل قاله البخاري‏.‏ قال‏:‏ وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه قال‏:‏ لا نعلم أحدًا من الخلفاء قال في الحلي زكاة لكن ذكره مرويا عن عمر صاحب المغني والمحلي والخطابي

2- عن بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ إن امرأة سألته عن حلي لها فقال‏:‏ إذا بلغ مائتي درهم ففيه زكاة رواه الطبراني والبيهقي ‏[‏رواه الطبراني ‏(‏9/319‏)‏ والبيهقي ‏(‏4/931‏)‏‏]‏ و رواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال‏:‏ هذا وهم والصواب موقوف ‏[‏سنن الدار قطنى ‏(‏ 1/108‏)‏ ‏]‏‏.‏

3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي‏:‏ لا أدري يثبت عنه أم لا

4- عن عبد الله بن عمر بن العاص انه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته و نسائه، ذكره في المحلي من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه‏.‏

5- عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ إنها قالت‏:‏ لا باس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته‏.‏ رواه الدارقطني ‏[‏سنن الدار قطنى ‏(‏ 1/107‏)‏‏]‏ من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ ‏[‏الموطأ ‏(‏ 1/250‏)‏‏]‏ عن عبد الرحمن بن لقاسم عن أبيه عن عائشة إنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة‏.‏ قال ابن حجر في التخليص ‏[‏تلخيص الحبير ‏(‏ 1/189‏)‏‏]‏ ويمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها ‏[‏أي في الحلية‏]‏ ولا ترى إخراج الزكاة مطلقا عن مال الأيتام لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ ‏[‏ الموطأ ‏(‏1/251‏)‏‏]‏ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال‏:‏ كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة‏.‏ قال بعضهم‏:‏ ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبًا فتخرجه تارة ولا تخرج أخرى كذا اقل‏.‏ وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر وهو إن عدم إخراجها فعل والفعل لا عموم له فقد يكون لأسباب ترى إنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول والله أعلم

* فإن قيل‏:‏ ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة‏:‏ انس ابن مالك و جابر وابن عمر وعائشة وأسماء‏؟‏ فالجواب‏:‏ إن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب و إذا فرضنا أن لجميعهم قولا واحدا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلي الكتاب والسنة وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق‏.‏

*فإن قيل‏:‏ قد ثبت في الصحيحين ‏[‏رواه البخاري ‏,‏ كتاب الزكاة‏,‏ باب الزكاة على الزوج رقم ‏(‏1466‏)‏ ومسلم‏,‏ كتاب الزكاة ‏,‏ باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج رقم ‏(‏1000‏)‏‏]‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن‏)‏ وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مضربا لصدقة التطوع‏.‏ فالجواب على هذا‏:‏ إن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان و نظير هذا أن يقال‏:‏ تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك فان هذا لا يدل على انتفاء و جوب الزكاة في هذه الدراهم

*فان قيل‏:‏ إن في لفظ الحديث‏:‏ ‏(‏وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر‏)‏ ‏[‏رواه أحمد ‏(‏1/12‏)‏

‏]‏ و في حديث علي‏:‏ ‏(‏وليس عليك شيء حتى يكون ذلك عشرون دينار‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود‏,‏ كتاب الزكاة‏,‏ باب فى زكاة السائمة رقم ‏(‏ 1573‏)‏‏]‏ والرقة هي الفضة المضروبة سكة وكذلك الدينار هو السكة وهذا دليل علة اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك

والحلي ليس منه‏.‏ فالجواب من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ إن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب والفضة بل يوجبونها في التبر ‏[‏ما كان الذهب والفضة غير مصوغ‏]‏ ونحوه وان لم يكن مضروبا و هذا تناقض منهم و تحكم حيث ادخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم و اخرجوا منه نظير ما ادخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها‏.‏

الثاني‏:‏ إننا إذا سلمنا اختصاص الرقة و الدينار بالمضروب من الفضة والذهب فان الحديث يدل على ذكر بعض أفراد وأنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام وهذا لا يدل على التخصص كما إذا قلت‏:‏ أكرم العلماء ثم قلت‏:‏ أكرم زيدا و كان من جملة العلماء فإنه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عاما في وجوب زكاة الذهب والفضة وبعضها جاء بلفظ الرقة الدينار وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص

*فان قيل‏:‏ ما الفرق بين الحلي المباح وبين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الاول دون الثاني‏؟‏

فالجواب‏:‏ إن الشارع فرق بينهما حيث أوجبها في الذهب و الفضة من غير استثناء بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق وأما الثياب فهي بمنزلة الفرس وعبد الخدمة الذين قال فيهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة‏)‏ ‏[‏رواة البخاري ‏,‏ كتاب الزكاة ‏,‏ باب لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه رقم ‏(‏982‏)‏‏]‏ فإذا كانت الثياب لللبس فلا زكاة فيها و إن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة‏.‏

*فإن قيل‏:‏ هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال علي الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي‏؟‏

*فالجواب‏:‏ لا يصح القياس لوجوه‏:‏

الأول‏:‏ انه قياس في مقابلة النص وكل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، ولان النص إذا فرق بين شيئين في الحكم فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق احدهما بالآخر، ويجب افتراقها سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك فان الشرع نزل من لدن حكيم خبير‏.‏

الثاني‏:‏ إن الثياب لم تجب الزكاة فيها أصلا، فلم تكن الزكاة فيها واجبة أو ساقطة بحسب القصد و إنما الحكم فيها واحد، وهو عدم وجوب الزكاة فكان مقتضي القياس أن يكون حكم الحلي واحدا وهو وجوب الزكاة سواء أعده لللبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضا لان الزكاة حينئذ في قيمتها‏.‏

الثالث‏:‏ أن يقال‏:‏ ما هو القياس الذي يراد الجمع به بين الحلي المعد للاستعمال و الثياب المعدة له‏؟‏ اهو قياس التسوية أم قياس العكس‏؟‏ فان قيل هو قياس التسوية، قيل‏:‏ هذا إنما يصح لو كانت الثياب تجب فيها الزكاة قبل إعدادها للبس والاستعمال ثم سقطت الزكاة بعد إعدادها ليتساوى الفرع والأصل في الحكم وإن قيل‏:‏ هو قياس العكس، قيل‏:‏ هذا إنما يصح لو كانت الثياب لا تجب فيها الزكاة إذا لم تعد لللبس وتجب فيها إذا أعدت لللبس فان هذا هو عكس الحكم في الحلي عند المفرقين بين الحلي المعد لللبس وغيره‏.‏

الرابع‏:‏ إن الثياب والحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل، فما الفرق بينهما‏:‏

1-إذا أعد الحلي لنفقة وأعد الثياب للنفقة بمعنى أنه إذا احتاج للنفقة باع منهما واشترى نفقة فقالوا‏:‏ في هذا الحال تجب الزكاة في الحلي ولا تجب في الثياب‏.‏ ومن الغريب أن يقال‏:‏ امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان و كلما ذكر لها حلي معتاد اللبس اشترته برفيع الأثمان للتحلي به غير فرار من الزكاة ولما افترقت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة وضرورة العيش، فقلنا لها في الحلي الأولى‏:‏ لا زكاة عليك في هذا الحلي، وقلنا لها في الحال الأخيرة‏:‏ عليه الزكاة فيه‏.‏ هذا هو مقتضي قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح‏.‏

2- إن الحنابلة قالوا‏:‏ أنه إذا اعد الحلي للكراء وجبت فيه الزكاة وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب‏.‏

3- انه إذا كان الحلي محرما وجبت الزكاة فيه وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب الزكاة فيها

4- لو كان عنده حلي للقنية ‏[‏(1)‏‏]‏ ثم نواه للتجارة صار للتجارة ولو كان عنده ثياب للقنية ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة وعللوا ذلك بان الأصل في الحلي الزكاة فقويت النية بذلك بخلاف الثياب وهذا اعتراف منهم بان الأصل في الحلي وجوب الزكاة‏.‏ فنقول لهم‏:‏ وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل‏؟‏

5- قالوا‏:‏ لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام أحمد انه لو أكثر من شراء العقار فرار من الزكاة سقطت الزكاة وقياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فرارًا من الزكاة سقطت الزكاة إذ لا فرق بين الثياب والعقار فإذا كان الحلي المباح مفارقا للثياب المعدة لللبس في هذه الأحكام فكيف نوجب أو نجيز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقها فيه‏؟‏ إذا نبين ذلك فان الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصابا لحديث أم سلمة السابق‏:‏ ‏(‏ما بلغ أن تودي زكاته فزكي فليس بكنز‏)‏ ‏[‏(2)‏]‏ فنصاب الذهب عشرون دينارا ‏[‏المراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه المثقال لربعة جرامات وربع ‏,‏ فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين جرامًا‏,‏ يعادل عشر جنيهات سعودي وخمسة أثمان الجنية‏]‏ ونصاب الفضة مائتا درهم ‏[(3)‏‏]‏‏.‏

فإذا كان حلي الذهب ينقص وزن ذهبه عن عشرون دينارا وليس عند صاحبه من الذهب ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه وإذا كان حلي الفضة ينقص من وزن فضته عن مائتي درهم وليس عند صاحبه من الفضة ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه‏.‏

لكن هل المعتبر في نصاب الذهب الدينار الإسلامي الذي زنته مثقال وفي نصاب الفضة الدرهم الإسلامي الذي زنته سبعة أعشار مثقال أو المعتبر الدينار والدرهم عرفا في كل زمان و مكان بحسبه سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر‏؟‏ الجمهور على الأول وحكى إجماعًا، وحقق شيخ الإسلام ابن تيمية الثاني أي أن المعتبر الدينار والدرهم المصطلح عليه في كل زمان و مكان بحسبه فما سمي دينارا أو درهما ثبتت له الأحكام المعلقة على اسم الدينار والدرهم سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر وهذا هو الراجح عندي لموافقته ظاهر النصوص وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين جنيها ونصاب الفضة مائتي ريال وان احتاط المرء وعمل بقول الجمهور فقد فعل ما يثاب عليه إن شاء الله‏.‏

فإذا بلغ الحلي نصابا خاصا عشرين دينارا أن كان ذهبا و مائتي درهم إن كان فضة ففيه ربع العشر لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار‏)‏ رواه أبو داود‏.‏‏[‏ سبق تخريجه ص ‏(‏ 15‏)‏‏]‏‏.‏